يمر على مسامعنا الحديث عن إعلان “العوارية العامة” عند وقوع أحد الحوادث البحرية أو مع الخسائر البحرية المختلفة، مؤخراً جذبت حادثة سفينة الحاويات “Ever Given” أنظار العديد حول ماهو مفهوم العوارية العامة وماهي الية تنفيذها الأمر بات لايقتصر فقط على رجال الصناعة بل أصبح هناك اهتمام من قبل الجمهور حول ما هو مفهوم العوارية العامة وما هي أهميتها؟
العوارية العامة هي عبارة عن التضحية الإختيارية التي يقوم بها ربان السفينة في سبيل السلامة العامة لأصحاب الرحلة فتعد كل تضحية أو مصروفات غير اعتيادية يقرها الربان تُبذل أو تُنفق عن قصد وبكيفية معقولة من أجل السلامة العامة لتفادي خطر داهم يهدد السفينة أو البضائع الموجودة عليها، بحيث يساهم جميع الأطراف المشاركين في الرحلة البحرية في التعويض عن خسارة حدثت لأحدهم بسبب التضحية التي نتج عنها خسارة للسفينة أو البضائع.
لماذا وُجدت العوارية العامة؟
عندما يصبح التضحية بجزء من البضائع هو الخيار الأمثل من أجل السلامة العامة قد لا تترك حالة الطوارئ سوى القليل من الوقت لأفراد الطاقم لتحديد الشحنة التي يجب أن يتم التخلص منها بدقة، من أجل تجنب الخلاف الذي يمكن أن يضيع وقتًا ثمينًا حول اختيار البضائع التي سوف يتم التضحية بها، نشأت ممارسة عادلة حيث يُطلب من جميع مالكي البضائع الذين هبطت حمولتهم بأمان المساهمة بجزء على أساس حصة أو نسبة، لتعويض أولئك الذين ألقيت بضائعهم أو تلفت.
عند الإعلان عن العوارية العامة يُطلب من مالكي البضائع المساهمة أي دفع نصيبهم في قيمة العوارية العامة قبل الإفراج عن بضائعهم، إذا كانت البضاعة مؤمنة تقوم شركات التأمين بدفع نصيب ملاك البضائع في مساهمات العوارية العامة، عادة ما يتم تحديد شروط العوارية العامة في بوليصة الشحن ويمكن أن تغطي قائمة طويلة من النفقات بما في ذلك مصروفات القطر والإنقاذ.
أمثلة عن الحالات المختلفة للعوارية العامة
تاريخيا كان إلقاء بعض البضائع أو مواد السفينة أو المعدات في البحر لتخفيف تأثير العواصف الشديدة هو أحد الحلول الشائعة ولنا عبرة في قصة نبي الله “يونس” عليه السلام، اليوم ذلك لا يحدث في كثير من الأحيان غالبًا ما يتعلق تخصيص الأضرار والتكاليف في العوارية العامة بإطفاء الحريق على متن السفن أو قطر السفن التي تعاني من أعطال في المحرك وغير ذلك من حالات، ومن أهم الامثلة على ذلك سواء كانت التضحية تمت من قبل السفينة أو البضائع:
- اتلاف اي جزء من السفينة او استخدامه بطريقة غير صحيحة كما هو الحال عند استخدام مخاطيف السفينة وجنازير المخطاف أثناء عملية تعويم السفينة وترتب عليه فقد المخطاف أو الجنازير ولكن نجحت السفينة في الخروج من الجنوح.
- إلقاء البضائع في البحر في حال وجود خطورة منها على السفينة كطرد بضائع خطر.
- تلف جزء من البضائع داخل العنابر أثناء عملية إطفاء الحريق بالمياه.
الإطار التنظيمي للعوارية العامة
وضعت قواعد يورك أنتويرب لعام 1890 الأسس التنظيمية للعوارية العامة، على الرغم من تحديثها عدة مرات منذ ذلك الحين مع آخر التحديثات في عامي 2004 و 2016، حددت القواعد البحرية حقوق والتزامات كل من السفينة وملاك البضائع في حال أنه يجب التخلص من البضائع لإنقاذ السفينة.
شروط العوارية العامة
هناك ثلاثة شروط يجب الوفاء بها جميعًا حتى يتم تطبيق القواعد:
- يجب أن يكون الخطر على السفينة “وشيكًا” ويبدو أنه “حتمي”.
- يجب أن يكون هناك تخلص طوعي من جزء من حمولة السفينة لتجنب هذا الخطر.
- يجب أن تكون هذه المحاولة لتجنب الخطر المشترك الوشيك ناجحة.
يتم تعيين خبير العوارية العامة وهو طرف ثالث محايد يعينه مالك السفينة، والذي يقوم بحساب المصروفات والنفقات وحساب التكاليف الإجمالية للحادث، وكذلك المبلغ الذي يدين به كل طرف وما إلى ذلك.
أشهر حالات العوارية العامة
-
Ever Given
سفينة الحاويات “Ever Given” التي أغلقت المجري الملاحي لقناة السويس لمدة أسبوع تقريبًا في مارس 2021 ، مما ترك أكثر من 300 سفينة غير قادرة على عبور أكثر طرق الشحن ازدحامًا مما أدى إلى اضطراب التجارة عالميا بعد فترة وجيزة تم تعويم السفينة مخلفةً الكثير من المطالبات والتعويضات.
حجم السفينة وعدد أصحاب البضائع المعنيين يعني أن هذه قد تكون أكبر حالة عوارية عامة على الإطلاق عبر التاريخ حتي وقتنا الحالي، مما يجعل العملية معقدة بالفعل حيث يقدر الخبراء أن الإجراء قد يستغرق ما يصل إلى سبع سنوات.
-
Ever Forward
في مارس الماضي ، جنحت سفينة الشحن “Ever Forward” وعلى متنها 12000 حاوية مكافئة في خليج تشيسابيك، أعيد تعويمها بعد أكثر من شهر في 31 مارس، أعلنت شركة الشحن التايوانية Evergreen -المشغل أيضًا لشركة Ever Given- عن العوارية العامة للسفينة ، مدعية “زيادة التكاليف الناشئة عن المحاولات المستمرة لإعادة تعويمها”.
-
CMA CGM Libra
في مايو 2011 ، جنحت سفينة الحاويات CMA CGM LIBRA التي ترفع العلم المالطي قبالة شيامن الصين ، على متنها 5983 حاوية، أعلن مشغلي السفينة أن العوارية العامة أدت إلى تسوية حوالي 92٪ من التكلفة ومع ذلك رفض حوالي 8 ٪ المساهمة طواعية، بدعوى خطأ مالك السفينة من حيث الأخطاء في خطة مرور السفينة وعدم صلاحيتها للإبحار قبل بدء الرحلة. أثار ذلك ا نقاشًا مطولًا في جميع أنحاء الصناعة بالإضافة إلى سباق قضائي فيما يتعلق بشروط ما إذا كان ينبغي اعتبار السفينة غير صالحة للإبحار، للمزيد من المعلومات حول تلك الحادثة عبر المقال التالي.
-
Maersk Honam
في مارس 2018 ، وقع حريق كبير علي متن سفينة الحاويات “Maersk Honam”مما أسفر عن مقتل خمسة من أفراد الطاقم، بعد الحادث أعلنت شركة ميرسك عن أن عمليات الرسو والتفريغ ستؤدي إلى تكاليف غير عادية عالية وأعلنت العوارية العامة، في النهاية تمكن الشاحنون من الدفع مقابل الإفراج عن حمولتهم في غضون ثلاثة أشهر كان على مالكي البضائع دفع 54٪ من قيمة الشحنة لتحريرها.
المصادر
Comments 1