يعتبر تحديد وقت الفجر الصادق من الأمور الشائكة التي يختلف عليها المسلمين وعلى الرغم من كثرة الأحاديث والنصوص الفقهية الواردة في تحديد توقيت الفجر الصادق ودخول وقت الصلاة وتحريم الأكل على الصائم لكن مصطلحات الحمرة والبياض والغلس ولا حتى الخيط الأبيض والخيط الأسود مفهومة ولا واضحة عند الفقهاء ولا عند من تبعهم من الفلكيين الراصدين فهي دائما مثار جدل فهي ليست شئ مادي ملموس بالعين المجردة مثل غروب الشمس وبداية الإفطار.
![]() |
الحمرة |
فلكيا عرف “الخيط الأبيض” بوقت بداية الشفق الفلكي وهو عندما تكون الشمس تحت الأفق بمثابة 18 درجة قوسية، تم تحديد تلك القيمة من خلال اجهزة قياس ومستشعرات حساسة للضوء حيث وجد أن بداية ظهور الضوء تكون عند تلك الزاوية ولايمكن تحديد تلك الدرجات بواسطة العين المجردة لأن نظر الإنسان لا يستطيع تمييز التغيرات الدقيقة في الضوء.
![]() |
مراحل الشفق |
ماهو الشفق (TWILIGHT)؟
أسفل خط الأفق و قبل الشروق تمر الشمس بثلاث مراحل من الشفق كما هو موضح في الصورة السابقة:
1- “الشفق الفلكي” (ASTRONOMICAL TWILIGHT)
هو أول مرحلة في رحلة الشمس للشروق، ليس له أي استخدام ملاحي لشدة الظلام في ذلك الوقت فلا يستطيع الملاحون تمييز خط الأفق ولا يمكنهم القيام بأي رصدات للأجرام السماوية في ذلك التوقيت لذلك كتاب “NAUTICAL ALMANAC ” الذي يستخدمه الملاحون علي متن السفن في أغراض الملاحة لايحتوي على اي توقيتات خاصة بالشفق الفلكي، يصاحب الشفق الفلكي ظهور أول ضوء شمسي وقت الفجر ناحية الشرق يتشتت في الغلاف الجوي حين تصبح الشمس تحت الأفق بزاوية انخفاض قدرها 18 درجة وهو ما اصطلح عليه بأنه وقت الفجر الصادق.
2- “الشفق البحري”( Nautical twilight)
المرحلة التي تلي الشفق الفلكي وهو إضاءة الغلاف الجوي حين تكون الشمس تحت الأفق بزاوية قدرها 12 درجة، وإضاءته تبدأ الأرض بالتمايز عن السماء دون وضوح معالمها ونستطيع رؤية النجوم اللامعة.
3- “الشفق المدني” (Civil twilight)
المرحلة التي تلي الشفق البحري وهو إضاءة الغلاف الجوي حين تكون الشمس تحت الأفق بزاوية قدرها ست درجات، وهو الوقت الذي تبدأ عنده معالم الأرض بالظهور وفيه يمكن رؤية الأفق والنجوم اللامعة.
زاوية انخفاض الشمس 18 درجة قوسية تحت الأفق ليست قيمة مطلقة لتحديد ميعاد الفجر في جميع فصول السنة وجميع خطوط العرض، فعند خط عرض “48.5” شمالا فما فوق فى “Vancouver, Canada” علي سبيل المثال الشمس لا تنخفض أكثر من 18 درجة تحت الأفق خلال اليوم الذي يوجد به أطول نهار في العام، ايضا في خط عرض 51.5 شمالا فما فوق في “Cambridge, UK” الشمس لا تنخفض أكثر من 15 درجة تحت الأفق خلال اليوم الذي به أطول نهار في العام وعند خط عرض 54.5 شمالا فما فوق في “Copenhagen, Denmark” الشمس لا تنخفض أكثر من 12 درجة تحت الأفق خلال اليوم الذي به أطول نهار بالعام، لذلك لا يمكن ان نعمم ان زاوية انخفاض الشمس 18 درجة تحت الأفق هي قيمة دقيقة لتوقيت الفجر علي المطلق.
بداية من القرن 19 سهلت الجداول المعدة من قبل “U.S. Naval Observatories” حساب التوقيت الخاص بالشمس عند أي زاوية سواء كانت 18 درجة أو15 درجة أو غير ذلك، ولكن لا تزال حالة عدم اليقين متواجدة من قبل العلماء والفلكيين بأن زاوية انخفاض الشمس تحت الأفق 18 درجة هل هي فعلا القيمة الدقيقة لبداية وقت الفجر؟
لا يزال الخلاف مستمرا إلى يومنا هذا، في بريطانيا في الاعوام الاخيرة قام العلماء بتغيير زاوية انخفاض الشمس تحت الأفق لتحديد وقت الفجر من 18 درجة إلى 15 درجة و 12 درجة وفي بعض الاحيان 9 درجات تحت الأفق، بعد آلاف الرصدات التي تم القيام بها من قبل الباحثين المختصين من فريق عمل Moonsighting.com في شتي بقاع الأرض تبين أن انخفاض الشمس 18 درجة أسفل الأفق في بعض فصول السنة ومع اختلاف خطوط العرض، يكون في بعض الأحيان الوقت مبكرا عن ميعاد الفجر والأخرى يكون الوقت متأخرا عن ميعاد الفجر .
حساب موعد الفجر في العالم الإسلامي
ماهو المقياس الذي تعتمده الدول الإسلامية لحساب توقيت الفجر وبداية الصيام؟
- في مصر اعتمدت الهيئة العامة للمساحة زاوية انخفاض الشمس تحت الأفق 19.5 درجة للفجر وهو الوقت الأحوط.
- معيار تقويم جامعة أم القرى بمكة يعتمد زاوية انخفاض الشمس تحت الأفق 18.5 درجة للفجر.
- معيار رابطة العالم الإسلامي يعتمد زاوية انخفاض الشمس تحت الأفق 18 درجة للفجر.
- معيار الاتحاد الإسلامي في شمال أمريكا يعتمد زاوية انخفاض الشمس تحت الأفق 17.5 درجة للفجر.
المشروع الذي امتد لسنتين ونفذته الجمعية الفلكية الأردنية على التوازي مع بعض الباحثين الفلكيين السعوديين لتحديد وقتي الفجر الصادق والعشاء، خلصت النتائج إلى أن وقت الفجر الصادق يحين حين تصبح الشمس عند زاوية 16.5 درجة تحت الأفق الشرقي وهي نفس الزاوية لوقت العشاء، تعتبر تلك النتيجة المعيار الأكثر دقة في دخول وقت الفجر حتى الآن مقارنة بما تعتمده المعايير العالمية القديمة التي بنيت إما على القيم الفلكية وإما على آراء فقهية تقدم وقت الفجر احتياطا والتي بسببها لا تزال بعض الأصوات تنادي بأن الفجر يؤذن بالليل.
الفترة الزمنية التي تستغرقها الشمس من بداية الشفق الفلكي حتى شروق الشمس ليست ثابتة فتكون أقل ما يمكن عند خط الاستواء وتزداد الفترة الزمنية كلما اتجهنا ناحية خطوط العرض العليا لذلك لايمكننا اعتماد معايير تلك الزوايا عند حساب وقت الفجر في خطوط العرض العليا بداية من خط عرض 55 (ش، ج) ولها طرق حساب خاصة بها، الامر الان اصبح اكثر غموضا فلقد وضح جليا انه لايمكن تحديد زاوية معينة لوقت الفجر حتي في المنطقة الواحدة لأنها تختلف مع اختلاف الفصول ففي فصل الشتاء سنجد أن الزوايا تختلف عن فصل الصيف لذلك من الأفضل أن نبقى أنفسنا بالمنطقة الرمادية وهي عند بداية الصيام نتبع أكبر زاوية انخفاض الشمس تحت الأفق محددة سواء كانت 18 درجة او غير ذلك كما هو محدد من الهيئات الخاصة بكل دولة وعند بداية الصلاة يمكن تأخيرها لزاوية انخفاض 16 درجة أو مع ما يتناسب مع الوضع القائم .
كيفية تحديد وقت صلاة الفجر للعاملين على متن السفن؟
يعتمد الملاحون على متن السفن في حساباتهم الخاصة بمواقيت الصلاة على الجداول الخاصة Nautical” Almanac ” ولكن كما اشرنا سابقا ان تلك الجداول لا تحتوي على البيانات الخاصة بوقت الشفق الفلكي وهي زاوية انخفاض الشمس 18 درجة تحت الأفق لذلك لن نستطيع الحصول على قيم دقيقة من الجداول المتاحة لوقت الفجر ، هناك بعض الملاحين يقومون بحساب قيمة الوقت الذي استغرقته الشمس من بداية الشفق البحري حتى شروق الشمس وقسمة تلك القيمة على 12 درجة للحصول على قيمة متوسطة للدرجة الواحدة ولكن تلك القيمة تقريبية لأن الوقت اللازم لتغير مسار الشمس درجة واحدة غير ثابت ومتغير ، لذا بواسطة المعادلات الرياضية البسيطة التي يعتمد عليها علماء الفلك يمكننا حساب مواقيت الصلاة بدقة .
توقيت صلاة الظهر هو أساس حساب مواقيت الصلاة ومن خلاله يمكن تحديد باقي مواقيت الصلوات الأخرى ولكن كيف ذلك؟
دعنا نأخذ خط طول وعرض مدينة مثل القاهرة لمقارنة النتائج التي سنحصل عليها مع التوقيت الرسمي ، سنقوم بإجراء الحسابات عند خط عرض 30 درجة وثلاث دقائق شمالا مع خط طول 32 درجة وثلاثون دقيقة شرقا في يوم 5 مايو من عام 2020 .
اولا نقوم بالدخول في “Nautical Almanac” ونحصل على قيمة “.Mer.Passg” ليوم 5 مايو، ثم نقوم باضافة وقت المنطقة الخاصة بجمهورية مصر العربية وتصحيح الوقت المحلي الخاص بمدينة القاهرة بقسمة خط الطول علي 15.
Mer pass. 11H 57 M
Z.N + 02H
LIT -02 H 10 M
Zone time for Mer.pass. = 11 H 47 M
بعد الحصول على وقت المرور الزوالي لمدينة القاهرة وهو الساعة 11 و 47 دقيقة نقوم باضافة من دقيقتين الى 5 دقائق لتحديد ميعاد صلاة الظهر لانه لايجوز ان نقيم الصلاة في وقت انتصاف الشمس في السماء يجب الانتظار حتى تتحرك الشمس باتجاه الغرب وقدرت تلك المدة بهامش أمان مابين دقيقتين ل 5 دقائق .
وقت صلاة الظهر في مدينة القاهرة = 1147+ 5 دقائق = 1152
حساب وقت الفجر وبداية الصيام
لحساب وقت الفجر
نحدد الزاوية التي نريد حساب عندها ميعاد الفجر وهي( – 19.5) علي حسب معايير الهيئة للمساحة المصرية ويمكن اختيار أي زاوية اخرى على حسب المنطقة.
نحصل على قيمة “.DEC” الخاص بالشمس من “NAUTICAL ALMANAC ” يعتمد الفلكيون في حساباتهم لمواقيت الصلاة على التغير في قيم ميل الشمس اليومية أي عند الساعة 00 ، لكن لمزيد من الدقة يمكن تصحيح قيمة الميل للساعة الأقرب لتوقيت الفجر بالتوقيت المحلي ويمكن ايضا الحصول علي قيم الميل اليومية للشمس من المواقع الإلكترونية الفلكية المختصة من خلال ذلك الرابط .
قيمة خط العرض معلومة لدينا وتكون إشارته موجبة في شمال الكرة الأرضية وسالبة في جنوب الكرة الأرضية.
نقوم بالتعويض في المعادلة التالية:
عند طرح تلك القيمة من ميعاد صلاة الظهر تحصل على موعد الفجر عند زاوية انخفاض الشمس تحت الأفق 19.5درجة،
وقت الفجر = 03H 32 M بالتوقيت المحلي لمدينة القاهرة الساعة الثالثة صباحا واثنتين وثلاثين دقيقة.
![]() |
جداول nautical almanac |